سالم الدوسري.. إعصارٌ مدمر أم طائرة مقاتلة؟

في لحظة دراماتيكية من مباراة نصف نهائي كأس الخليج 2014، كان المنتخب السعودي في موقف حرج أمام الإمارات. بعد أن تقدم بهدفين، وجد الأخضر نفسه متعادلاً أمام منافسه العنيد. ولكن قبل دقائق من النهاية، خطف سالم الدوسري الأضواء بهدف تاريخي. استقبل كرة ساقطة، راوغ المدافعين ببراعة، وتبادل تمريرة سريعة مع ناصر الشمراني، ثم سدد كرة لا تصد ولا ترد في شباك علي خصيف.

أذهل هذا الهدف الخاطف المعلق فهد العتيبي، الذي هتف بعد لحظات: "التورنيدو". لم يكن العتيبي يشير إلى الإعصار المدمر، بل إلى الطائرة المقاتلة السريعة والفتاكة. ومنذ ذلك الحين، التصق لقب "التورنيدو" بسالم الدوسري، ليصبح اللاعب الوحيد في العالم الذي يحمل لقبًا محورًا في المعنى، بفضل الترادف اللغوي.

كان الهدف في مرمى الإمارات، الهدف الدولي الثاني مع الأخضر الكبير في المباراة الدولية الـ17 للاعب. أما هدفه الدولي الأول فسجله خلال الدقائق الـ 20 الأولى من أول مباراة دولية. كان هدفًا رائعًا بكل المقاييس في مرمى أستراليا؛ لولا نتيجة المباراة النهائية التي حرمت الأخضر من الوصول إلى المرحلة الأخيرة الحاسمة نحو التأهل لمونديال 2014. قال سالم الدوسري بعد تلك المباراة إنه استوحى طريقته في المراوغة قبل تسجيل الهدف من اللاعب البرازيلي نيمار.

قبل أن يرتدي سالم الدوسري قميص الهلال، كان عشاق كرة القدم المحلية للهواة، يرون فيه صورة طبق الأصل من نيمار، سواء في مركز اللعب أو الأسلوب المهاري، حتى أنهم أطلقوا عليه لقب "النيمو" تيمناً بالنجم البرازيلي. وبعد أعوام من ذلك التشبيه، تحقق أمر يستحق الالتفات إليه.. سالم الدوسري وشارة القيادة في ذراعه، يقود التشكيلة الأساسية للهلال التي ضمت نيمار للمرة الأولى في دوري روشن السعودي.

يدرك سالم الدوسري أهمية الفرصة في حياة لاعب كرة القدم، فتجده يلعب بشغف، يرفض معه فقدان الكرة، ويبادر للحصول عليها. وبرزت هذه العقلية منذ بداياته، فسجل في أول ظهور دولي له، وكرر الإنجاز في أول مباراة له مع الفريق الأول للهلال، بهدف لا يُنسى في ديربي الرياض أمام النصر (هدف من مجهود فردي كبير، ضمن الجولة العاشرة من منافسات الموسم 2011-2012). حتى قبل ذلك، شارك في كأس العالم للشباب من الفرصة التي منحها له مدربه ستامب مع فريق الهلال الأولمبي في لقاء أمام الأهلي. وكان خالد القروني مدرب المنتخب تحت 20 عامًا يراقب المباراة في المدرجات. شارك الدوسري في الدقائق الـ 10 الأخيرة لاعبًا بديلًا، وفي نهاية المباراة حسم القروني أمره باختياره ضمن بعثته إلى كولومبيا.

وكادت فرصة المشاركة في كأس العالم للشباب في كولومبيا تضيع على الدوسري الذي أصيب بكسر في أنفه، فاستبعد من المعسكر لأن التقارير الطبية أعطت موعدًا للتشافي بعد نهاية البطولة، لكن اللاعب استطاع العودة أسرع وانخرط مع فريقه الهلال في الرياض. أما في كولومبيا، فنقل عبد اللطيف الحسيني إلى خالد القروني خبر مشاركة سالم الدوسري في مباراة ودية للهلال، في الأثناء نفسها التي كان فيها القروني في موقف متأزم بسبب إصابة لاعب في قائمته النهائية (محمد برناوي)، فعاد الدوسري من جديد للمنتخب. وتأهل معه إلى ربع النهائي.

كان مونديال كولومبيا 2011 بمثابة بوابة الدوسري إلى عالم كرة القدم الكبير، إنها أول مغامرة له خارج أسوار الوطن، ومنذ ذلك الحين، اعتاد على سحر البطولات العالمية تحت مظلة الفيفا.

لم يكن الدوسري مجرد لاعب في المنتخب، بل كان أحد أبطال الجيل الذي أعاد الأخضر إلى كأس العالم بعد غياب مرير. وعلى صعيد الأندية، ساهم بفعالية في إعادة الأندية السعودية إلى منصات التتويج القارية، وفُتح بذلك الباب أمام مشاركات تاريخية في كأس العالم للأندية، كان آخرها تتويجًا مشرفًا بالميدالية الفضية. وعلى الصعيد الفردي، توج قائد الهلال العام الماضي بجائزة أفضل لاعب في آسيا 2022، بعد 8 أعوام منذ تتويج آخر سعودي (ناصر الشمراني) بالجائزة في 2014.

يقول المعلق فهد العتيبي، أول من أطلق وصف (التورنيدو) على سالم الدوسري، في تعليقه على استخدام وصفه، وإشاعته بمدلوله الثاني: "سالم الدوسري يقبل الوجهين. فهو  إعصارٌ مدمر وطائرة مقاتلة، في الآن نفسه".