صالح الشهري.. سلاح ناري سريع الطلقات

صباح الخميس، 15 نوفمبر 2012، تفاجأ صالح الشهري بنظرات زملائه في فريق بيرا مار البرتغالي عندما وصل لأداء المران الصباحي. خلال ثوانٍ معدودة، أدرك الشهري السبب الحقيقي وراء تلك النظرات المتعجبة.. كان ذلك بسبب الأداء المذهل للمنتخب السعودي في الليلة السابقة، وتمكنه من فرض التعادل السلبي على ليونيل ميسي ورفاقه في لقاء ودي على ملعب الملك فهد الدولي. لم يكن واضحًا حينها لعناصر الفريق البرتغالي أن المواجهة التالية بين المنتخبين السعودي والأرجنتيني، التي جرت بالفعل بعد 10 أعوام وأسبوع، ستشهد لحظة تاريخية، مع تجلي قدرة المنتخب السعودي في كسر سلسلة اللاهزيمة لراقصي التانغو التي استمرت لنحو 3 أعوام، بهدفين سعوديين، سجل أولهما الشهري نفسه، ردًا على تقدم البرغوث الأرجنتيني.

قبل حادثة غرفة الملابس تلك ببضعة أعوام، التحق صالح الشهري، وكان صبيًا لم يبلغ الخامسة عشرة، بأكاديمية المدرب عبد الله عسيري. سمع عسيري من بعض لاعبي الأكاديمية عن موهبة الشهري، فطلب منهم دعوته للحضور. في اللقاء الأول بين المدرب واللاعب، شعر عسيري أنه أمام لاعب مميز ببنية جسمانية قوية بالقياس مع سنه، رأى عسيري أن الشهري يضاهي زملاءه في الأكاديمية في البنية الجسدية، رغم صغر سنه بعامين إلى ثلاثة أعوام مقارنة بهم. قال المدرب للاعب: "سأنقلك إلى أحد الفريقين، الاتحاد أو الأهلي". شعر عسيري أنه أمام موهبة تستحق الدعم، لكنه واجه تحديًا في إقناع والد صالح (خالد الشهري) الذي كان يخشى أن يؤثر التحاق نجله بالأندية الرياضية على تحصيله العلمي. استطاع عسيري أن يقنع والد صالح بمنحه فرصة لاختبار الأمر لمدة شهر واحد، مع شرط للاستمرار في النادي، تحقيقه يتطلب نجاح صالح في الحفاظ على نتائجه العلمية، أو إخراجه من النادي إذا ظهرت عليه ملامح الإخفاق المدرسي. بناءً على هذا الاتفاق، التحق صالح الشهري بنادي الأهلي.

خلال أقل من عامين في الأهلي، غادر صالح الشهري مدينة جدة المتصلة بساحل البحر الأحمر متجهًا إلى مافرا البرتغالية، المتاخمة للمحيط الأطلسي، بهدف الالتحاق بفريق البلدة التابعة لمنطقة لشبونة. ارتدى الشاب السعودي قميص فريق مافرا، الذي يلعب في الدرجة الثانية، بجسد قابل للنمو، إذ بلغ طوله حينها 176 سنتيمترًا ووزنه 70 كيلوغرامًا. كان يحركه عقل طموح يسعى للوصول إلى أعلى مستويات الاحتراف، مدعومًا بقدرة هائلة على تحمل آلام الغربة وتحديات النجاح الأخرى.

وفي طفولته وأيام مراهقته الأولى، ملأ، صالح الشهري، قلبه شغفا بمهارات اللاعب الفرنسي تييري هنري. كان الشهري من مشجعي أرسنال الإنجليزي، بفضل تألق نجمه الفرنسي اللامع. ومع مرور السنوات، وجد الشهري نفسه عن قصد أو غير عمد، يَرِثُ من تييري هنري أهم صفاته الكروية (التسجيل بمعدلات مرتفعة). سجل هنري بمعدل 0.68 هدف في المباراة. أما الشهري، فاستطاع في محطته البرتغالية الثانية مع فريق بيرا مار، أن يتصدر قائمة لاعبي الفريق في أفضل معدلات تسجيل الأهداف. انتهى الموسم وللشهري هدفًا خلال أقل من 160 دقيقة، وذلك المعدل الأعلى تهديفيا للاعبي الفريق، مع فارق كبير عن بقية زملائه، وأقربهم إليه، لاعب غينيا بيساو، الدولي، أبيل كامارا، الذي سجل بمعدل هدف كل 216 دقيقة.

لم يشارك صالح الشهري الذي أصبح أول سعودي يسجل هدفًا في الدوريات الأوروبية، سوى في عدد قليل من المباريات، وسجل هدفين فقط، لكنهما جاءا خلال وقت وجيز من دقائق اللعب. وجاءت مشاركاته المحدودة، لسببين، أولهما تأخر بطاقته الدولية إلى درجة دفعت مدربه يلياسيس مواس، للقول قبل مباراة سبورتينغ براغا (بطاقته الدولية لم تصل في وقت كنت في أمس الحاجة إليه) أما السبب الآخر فعائد إلى تغير المدرب الذي آمن به يلياسيس، لإتاحة المجال أمام المدرب كوستينيا الذي أبعد الشهري عن حساباته.. في نهاية الأمر هبط بيرا مار من الدوري البرتغالي الممتاز ولم يرجع من حينها، في الوقت الذي عاد فيه الشهري لإكمال مسيرته الاحترافية في السعودية.

منذ موسم 2015-2016 الذي انتقل فيه صالح الشهري للعب مع فريقي الرائد، ثم الهلال، لم يفارق المهاجم السعودي قائمة اللاعبين الأفضل في معدلات التسجيل، رغم كل الأسماء العالمية التي مثلت وتمثل الدوري السعودي للمحترفين. وفي قائمة الهدافين الذين سجلوا 10 أهداف فأكثر خلال تلك المواسم التسعة، يقف الشهري في المركز الـ 15 في القائمة التي تضم في صدارتها ياسر القحطاني وكريستيانو رونالدو وميتروفيتش وعبد الرزاق حمد الله وبافيتيمبي غوميز، ثم تاليسكا وعمر السومة.

في العام 2020، التفت الفرنسي هيرفي رينارد، مدرب المنتخب السعودي، حينذاك، إلى سرعة تسجيل الأهداف لدى صالح الشهري، فوقف خلف منحه الفرصة الدولية الأولى التي كشفت عن سابع أفضل لاعب سعودي في معدل تسجيل الأهداف الدولية (بين الذين سجلوا 10 أهداف فأكثر)، خلف الهداف التاريخي للأخضر، ماجد عبد الله، مباشرة. سجل صالح الشهري بمعدل 138.92 هدف في الدقيقة، بينما انتهت مسيرة، ماجد عبد الله، الدولية مع معدل 133.98، ولا تزال الفرصة سانحة أمام الشهري للتفوق على ماجد عبد الله في معدل تسجيل الأهداف.

تمسك رينارد بسلاحه الذي يطلق الرصاص بسرعة غير معتادة، حتى بعد الإعلان عن الإصابة المؤلمة للشهري؛ فبعد أسبوع واحد فقط من مراسم قرعة مونديال قطر في الأول من أبريل 2022. أطلق الشهري صرخة مدوية على ملعب مباراة الهلال والشارقة الإماراتي ضمن البطولة الآسيوية. أعلنت وسائل الإعلام حينها نتائج التقارير الطبية الأولية.. الشهري يحتاج إلى 8 أشهر على الأقل للعودة للملاعب، أي بعد نهاية منافسات كأس العالم. في تلك الأثناء، دأب رينارد على الاتصال بالشهري بصفة دورية للاطمئنان على التطورات في حالته الصحية مع زميله عبد الإله المالكي في مركز التأهيل في قطر. لاحقًا، شارك اللاعبان في التشكيلة الأساسية في مباراة السعودية أمام الأرجنتين.. لعب المالكي الكرة الطولية التي تسبق التمريرة الحاسمة، وسجل صالح الشهري، هدفًا خالدًا في ذاكرة كرة القدم الوطنية.

في فترة الانتقالات الصيفية الجارية حاليا، انتقل الشهري إلى الاتحاد، وصادق على وعود عسيري الذي قال له في أول أمرِه الكروي، إما الأهلي أو الاتحاد.. لقد قال الشهري عمليًا "سأنتقل إلى كليهما".